الأحد، فبراير 19، 2012

بينــَ القلبـــِ والعقلــِ


 




               

رافقته لسريره، وضعته برفق ، وتركته بقبلة بين عينيه الزرقاوتين، محمد هذا هو الابن الوحيد لأمه بعد وفاة والده عندما كان في بطنها ، تربى على يد جدته ووالدته وهو الآن يبلغ السنة من عمره، بعدها تركته مستغرقا في النوم واتجهت إلى المطبخ لتصنع لنفسها قهوة الصباح، وقفت على النافذة تنظر إلى البحر عندما يلمس أريكة من الرمال الناعمة فيولد رملا مبتلا، الهواء المتدفق الذي يتغلغل في شعرها، سقطت دمعة من عينيها وهامت على وجهها، قاطعها النسيم العليل ليداعبها وكأنه يخفف الآلام عنها، تتذكر الماضي تتذكر زوجها وحالها، فهي أم ترعى ابنها ووالدتها العاجزة. راتب ضئيل جدا لا يكاد يكفي، تذكرت طفولتها البريئة ، قررت أن تجعل لطفلها طفولة جميلة، طفولة بمعنى طفولة، تركت الأم نائمة والابن غارق في النوم، لكن هناك شيء تركته وغاصت في تفكيرها وبعمق لدرجة أنها لم تتذكره.

             البيت مليء بالدخان قاطع تفكيرها، تذكرت ابنها وامها والآن تذكرت أن القهوة على النار، ركضت مسرعة باتجاه المطبخ وهمت بالدخول ولكن شيئا ما استوقفها، إنها النار صمدت في وجهها لتمنعها من الدخول، هنا كان يجب عليها التفكير، تذكرت امها ورضيعها المستغرقين في النوم وعند همامها بالتحرك تذكرت أنها لن تستطيع حمل الاثنين، كان يجب عليها الاختيار ويا له من اختيار في غاية الصعوبة، اختيار بين مربية ربتها وربت ابنها، وبين ابنها الوحيد ذي الأب المتوفى، الرضيع اليتيم الذي لم يكمل عامين، هنا كان لابد عليها حمل ابنها الرضيع الذي لم يدري بالدنيا وترك الام الكبيرة في السن العاجزة التي ملت من الدنيا، هكذا كان قلبها يملي عليها، ركضت باتجاه الغرفة.


            دخلت هائمة لاتحاول النظر خلفها، دخلت كالوحش الجائع الذي يبحث عن مطلبه، دخلت على والدتها حملتها وركضت خارجا قبل أن يسيطر قلبها علي عقلها، الدمع على عينها غاما، نزلت بسرعة من الدور الثالث، وضعت أمها وعندما همت بالصعود منعها رجال الإطفاء، أطلقت صرخة " أنجدوا رضيعي " .


        المبنى رمادا، الدمع ملئ عينها إلى أن وصل لقلبها، أخذت الأم تصبرها إلى أن خرج رجال الإطفاء وعلى وجوههم الحزن، ليخبروا الناس أنه لا يوجد ناجي فالجميع وافتهم المنية، سقط قلب الأم مغشيا عليه ولكن عقلها ازداد تمسكا؛ لأنه واثق من تصرفه، بدأ القلب في لوم شديد للنفس، بدات العين في لوم شديد للدمع، لكن دون جدوى، الماض انتهى وخلف وراءه الحزن ،لا بل الوحدة، لا بل الفراق  لا بل الندم _ هكذا كان العتاب للنفس، قاطع العتاب رجل إطفاء صرخ صرخة فرحة ممزوجة بحزن.


          طـ فـ ل.. ، هناااااااااااك طفل، الوحيد الناجي، وقف قلب الأم نهضت من مكانها لاهفة لابنها تركض وراء هواها دون هدف، أوقفها رجال الإطفاء مرة أخرى ولكن، هذه المرة وفي يدهم  محمد، أجل محمد الطفل ذو العينين الزارقاوتين، وضعته في حضنها وملأته بالقبل المموزوجة بحرقة قلب، سبحان الله ما أعظمك يالله، خلقت عبادك ووضعت فيهم من رحمتك وبركتك وحفظتهم. 

للكاتبة: خديجة حسين آل دبيكي